بقلم: نيللي جهاد كولكو
تدقيق: فاطمة محمّد صالح الموسويّ
مُنذُ فَجرِ التَّاريخ، كانَ للحَيواناتِ حُضورٌ دائِمٌ فِي حَياةِ الإنسَان، فَقَد رافَقتهُ فِي الحُقول، وساعَدتهُ فِي التَّرحال، وآنَسَتهُ فِي وحدَتِه. ومَع مَرورِ الزَّمن، لَم يَعد دورُ الحَيوانِ مُقتصِراً علَى المُساعدةِ المَادّيَّة، بَل أصبَحَ شَريكاً وُجدانيّاً يَملأُ فَراغَ القَلب، ويَمنَحُ صاحِبهُ حُبّاً صادِقاً لا يُقاسُ بِثَمن. ولكِن، ما السّرُّ الَّذي يَجعلُ الإنسَانَ يتَعلّقُ بالحَيوانِ إلى هَذا الحَدّ؟
الجَوابُ بَسيطٌ وعَميقٌ في آنٍ واحِد، فالحَيوانُ يَمنحُ الإنسانَ حُبّاً خالِصاً لا تَشوبهُ المَصلحَة، ووَفاءً لا يُبَدّدهُ الزَّمَن. إنَّهُ كائِنٌ يَسمعُ دونَ أن يَحكُم، ويَقتربُ دونَ أن يَطلُب، ويَمنحُ الدِّفءَ بِصمتِه، والرّاحَةَ بحُضورِه. لذلِك، يَجدُ كَثيرونَ فِي رِفقةِ الحَيواناتِ الأليفَةِ مَلاذاً مِن ضَجيجِ العالمِ وقَسوةِ البَشَر.
وقَد أثبتَتِ الدِّراساتُ الحَديثةُ أنَّ الحَيواناتِ تُساعدُ علَى تَهدئةِ الأعصابِ وتَقليلِ التَّوتّر، وأنَّ العِنايةَ بِها تُنمّي لَدَى الإنسانِ إحساساً بالمَسؤوليَّةِ والرَّحمَة. فعِندَما يُطعمُها أو يَحنو عَليها، يَتعلّمُ مَعنى العَطاءِ الصّادِقِ والرِّفقِ بالكَائناتِ الضَّعيفَة. وهكَذا يُصبحُ التَّعلّقُ بالحَيوانِ مَدرسةً فِي الإنسَانيَّة، لا مُجرّدَ عَلاقةٍ عاطفيَّةٍ عابِرَة.
ولَعلَّ أجمَلَ ما فِي هذهِ العَلاقةِ أنَّها تُعيدُ الإنسانَ إِلى فِطرتِه النَّقيّة، تِلكَ الفِطرةُ الَّتي فَطرهُ الله عَلَيها، المَجبولةِ علَى الرَّحمةِ واللَّين. فالحَيوانُ لا يَتكلّمُ بلِسان، لَكنّهُ يُخاطبُ القَلبَ بلُغةٍ أصدَقَ منَ الكَلِمات، لُغةِ المَشاعرِ الخالِصةِ والوفاءِ الَّذي لا يَخون.
وفِي النِّهاية، يَبقَى التَّعلّقُ بالحَيوانِ انعكاساً لإنسانيَّتِنا قَبلَ أَن يَكونَ عَلاقةً بينَ مَخلوقَين. فَكلُّ لَمسةِ حَنانٍ نَمنحُها، وكلُّ نَظرةِ مَحبّةٍ نَتبادلُها، تُذكّرُنا بأنَّ الرَّحمةَ هِي ما تَجعلُنا بَشراً بِحقّ. ويَبقَى السُّؤالُ مَفتوحا: هَل يَحتاجُ الإنسانُ إلى الكَلماتِ ليُحبَّ، أَم تَكفيهِ نَظرةٌ صامِتةٌ مِن عَينيِّ حَيوانٍ وَفيّ؟