بقلم: علي رضوان سعيّد
تدقيق: هادي محمود نصّار
علَى أسطُحِ البيوتِ المُمتدَّةِ مِن زحلَة إلَى برّ الياس، تلمعُ الألواحُ الزّرقَاءُ كأنَّهَا حقولٌ مِن المَرايَا تعكِسُ حالَ الكهربَاءِ وانقطاعِهَا. مشهَدٌ جديدٌ دخلَ تفاصيلَ الحياةِ اليوميَّةِ لأهالِي البقَاع، الّذينَ وجدُوا فِي الشّمسِ بدِيلاً عَنِ المولّداتِ وصوتِهَا المزعِجِ ورائحتِهَا الخانِقَة. لكنَّ هذَا الضّوءَ الّذي أنارَ البيوتَ كشَفَ أيضاً وجُوهاً أخرَى للواقِع، مِن تفاوُتٍ اجتماعِيٍّ صارِخ، إلَى فوضَى سوقٍ بلَا رقِيب، وغيابِ رؤيَةٍ تنظيميّةٍ لهَذَا التّحوُّل. فهَل يكونُ هَذا التّوجُّهُ المُتسارِعُ نحوَ الطّاقةِ الشّمسيَّةِ فِي البِقاعِ بدايَةَ انتقالٍ حقيقِيٍّ نحوَ الاستقلاليَّةِ واقتصَادٍ أكثرَ استدَامَة، أمْ ظاهرَةً غيرَ منظّمَةٍ سرعانَ ما تنكشِفُ هشاشتُهَا مَع أوَّلِ أزمَة؟
فِي زمَنٍ صارَ فيهِ الاشتراكُ بالمولِّدِ عبئاً يُدفعُ بالدّولَار، شكّلتِ الطّاقَةُ الشّمسيَّةُ نقلَةً نوعيَّةً فِي حياةِ الكثيرِ مِن العائلَاتِ البِقاعيَّة. “للمرَّةِ الأولَى منذُ سنوَاتِ نغفُوْ ونستيقِظُ دونَ أنَ تطفَئَ الثلّاجَة”، تقُولُ رولا، أمٌّ لثلاثَةِ أولادٍ مِن سكَّانِ تعنايِل، بعدَ تركِيبِ منظومَةٍ شمسيَّةٍ صغيرَةٍ بالتّقسِيط. التّحوُّلُ لَم يكُن فقَط فِي الإضاءَة، بلْ فِي نمطِ العيشِ أيضاً حيثُ تؤكِّدُ أنَّ ساعَاتَ الدّراسَةِ للأطفالِ قَد زادَت، والأجهزَةُ الكهربائيَّةُ عادَتْ كلُّهَا للعمَل، أمَّا المصارِيفُ الشَّهريَّةُ فقَد انخفضَتْ بشكلٍ ملحُوظ.
بالمُوازَاة، يؤكِّدُ أصحَابُ المحَالِ أنَّ الطلَبَ تضاعَفَ منذُ صيفِ 2022، وأنَّ الطّاقَةَ الشّمسيَّةَ خلقَتْ فرصَ عمَلٍ جديدَةٍ لفنيينَ ومهندسينَ وشركَاتِ تركيبٍ وصيانَةٍ إضافَةً إلَى العمَّالِ و المتمرّنِين. حتَّى أنَّ بعضَ البلديّاتِ بدأتِ تفكِّرُ ومنهَا مَن أطلقَ العنانَ لمشاريعِ إنارَةِ الشّوارِعِ بالطّاقَةِ الشَّمسيَّةِ لتخفِيفِ الأعبَاء. هذَا التّحوُّلُ الحقيقِيُّ جعَلَ مِن البقاعِ نموذَجاً مصغَّراً لمَا يمكِنُ أنْ يكونَ مستقبَلَ لبنانَ علَى صعيدِ الطّاقَة، لَو وجدَتِ الخطَطُ والإرادَةُ اللّازمتَيْن.
لكِنْ كمَا فِي كلِّ ظاهرَةٍ سريعَةِ الانتشَار، ارخَتِ الطّاقَةُ الشّمسيّةُ معَها ظلَّهَا الثّقِيل. فبينَمَا استطاعَتِ العائلَاتُ الميسورَةُ تركِيبَ منظومَاتٍ متكاملَةٍ بآلافِ الدّولارَات، بقيَت أخرَى عاجزَةً حتَّى عَن تأمِينِ إنارَةٍ بسيطَةٍ لبيتِهَا. هكَذَا نشَأَ نوعٌ مِنَ الطّبقيَّةِ الجديدَةِ فِي الكهربَاء. بيوتٌ تضِيءَ ليلاً بطاقةِ الشَّمس، وأخرَى تغرَقُ فِي العتْمَة. إلَى جانِبِ ذلِك، تسودُ فوضَى عارمَةٌ فِي السُّوق، شركَاتٌ غيرُ مرخّصَة، أدواتٌ وتجهيزَاتٌ مغشُوشَة، وبطّاريَّاتٌ مستعملَةٌ تباعُ كأنَّهَا جديدَة. يحدُثُ كلُّ ذلكَ فِي ظلِّ غيابِ أيِّ رقابةٍ مِن وزارَةِ الطَّاقةِ أو البَلديَّات، بلَا معاييرَ محدَّدَة، لا ضمَانَات، ولا رؤيَةٍ رسميَّةٍ تحدِّدُ كيفيّةَ إدارةِ هذَا التّحوُّل. وفِي النّتيجَةِ بعضُ الأنظمَةِ تتعطَّلُ بعدَ أشهُر، ويضعُ المواطِنَ بينَ وعودِ الشَّركاتِ وواقِعِ الأعطَال.
ورغمَ هذهِ التّناقُضَات، تبقَى تجربَةُ الطّاقةِ الشّمسيَّةِ فِي البقَاع، خطوةً نحوَ مستقبَلٍ مختلِف. فهِيَ أثبتَتْ أنَّ الحلولَ ليسَتْ مستحيلَة، وأنَّ اللُّبنانِيَّ قادرٌ علَى التّكيُّفِ حينَ تغيبُ الدَّولَة. لقَد فتحَت هذِهِ التّجربَةُ باباً جديداً للنّقَاشِ حولَ مفهومِ الاكتفَاءِ الذّاتِيّ، والإعتمَادِ علَى الطّبيعَة. فهَلْ تكونُ هذِهِ الشّرارَةُ بدايَةَ تحوُّلٍ أوسَعَ نحوَ طاقَةٍ نظيفَةٍ ومستَدامَة؟
