عيدُ الاستقلالِ هوَ النّورُ الّذي سطعَ في آخرِ النّفقِ فأشرَقَتْ منهُ شمسُ الحُريّة، وهو بدايةُ الانعتاقِ من التّبعيّةِ للآخر، فالاستقلالُ أهمُّ ما يُمكنُ أن تسعى إليه الدّول، لأنَّ الوطنَ غيرَ المستقلِّ يظلُّ ناقصَ الحرّيّة، والاستقلالُ يعني نهايةَ عهدِ العبوديّةِ والاحتلال، وتمتُّعِ أبناءِ الوطنِ بثرواتِ بلدهِم بدلَ أنْ تظلَّ مستغلّةً ومنهوبةً من الدّولِ المحتلّةِ أو المنتدبةِ لها، فالاستقلالُ كنجمةٍ عاليةٍ يسعى الجميعُ لقطفِها، لهذا فإنَّ أجملَ ما يمكنُ أن يصلَ إليه كفاحُ الشّعوبِ هو الحصولُ على الاستقلالِ التّامِّ والكامل، واستعادةُ السّيطرةِ على ترابِ الوطن.
استقلال لبنانَ هو اليوم الّذي حصلَ فيه لبنانُ على استقلالِه في 22 نوفمبر من عام 1943م بعد تحريرِه من الانتدابِ الفرنسيّ، ويُعدّ عيدُ الاستقلالِ في لبنان يوم عطلةٍ لجميعِ المواطنينَ الّلبنانيّين، حيثُ يتمُّ الاحتفالُ في هذا اليومِ تكريماً للأشخاصِ الّذين ضحّوا بحياتهمِ وعانوا الكثيرَ من أجلِ الحصولِ على الحريّة، وتُقامُ العديدَ من الاحتفالاتِ في مدنِ لبنانَ وخاصّةً في العاصمةِ بيروت، حيثُ يتمُّ تقديمُ العروضِ العسكريّةِ في احتفالٍ كبيرٍ يضمُّ معظمَ الشّخصياتِ الّلبنانيةِ والعسكريّة. لكنْ حلّ عيدُ الاستقلالِ ال ٧٧ في لبنان هذه السّنة في ظلّ مشهدٍ سياسيّ مضطرب ، تتصدّرُهُ أزمةٌ اقتصاديّةٌ وماليّةٌ تعيشُها البلاد. ومن المتوقّعِ أن يكونَ الاحتفالُ بالاستقلالِ لهذا العام أن يكون خجولاً على الصّعيد الرّسمي والشّعبي بعد كارثةِ انفجارِ مرفأ بيروت ومع انتشار فايروس كورونا . لبنانُ كما ترّسخ في أذهاننا، أو كما تربّينا وحلمنا أن يكون، ليس لبنان الّذي نعيشه اليوم، فلبنان هو وديع الصّافي “لبنان يا قطعة سما”، وفيروز “بحبك يا لبنان”، وجوليا بطرس “بتنفس حرية”، وعاصي الحلاني “بيكفي إنك لبناني”، وجوزيف عطية “لبنان رح يرجع”. هذه الأغاني الّتي حُفرت في قلوبنا، ونردّدها دائماً في كلّ مناسبة وطنيّة أو أي حدث وطني.
لكنّ ذكرى عيدِ الإستقلال الـ77 اليومَ حزينةٌ، حزينةٌ على وطنٍ يفتخرُ بجيشهِ الّذي لن يحتفلَ هذا العام، ولن يقدّمَ استعراضاً عسكريّّاًً، الذّكرى حزينةٌ على وطنِ الأرزِ الّذي أحرقوا غاباتِه ووديانَه وسهولَه، حزينةٌ على وطن أصبحَ حُلمُ شبابهِ الهجرة بحثاً عن مكانٍ آمنٍ لأحلامِهم وطموحاتِهم، حزينةٌ على وطنٍ يتشرّدُ فيه أطفالُه في الشّوارعِ بحثاً عن لقمةِ العيشِ الّتي أصبحَ صعباً على الأبِ أو الأمِّ إيجادُها بسهولة، حزينةٌ على وطنٍ شعبُه قُتِلَ وجُرِحَ وشُرّدَ بسببِ أطنانٍ من الموادّ المتفجّرة، وذلك في أخطرِ إنفجارٍ شهدتْه البشريّة منذ سنين، في مرفأ بيروت، من دون محاسبة المسؤولينَ عن وقوعه إلى اليوم.