في بلدٍ تجتمعُ فيهِ حلقاتُ الفسادِ على مختلفِ الأصعدَةِ منَ الصعيدِ الاقتصاديِّ الى سياسيِّ فالثّقافيِّ ليزدادَ على رزنامةِ التاريخِ بتسجيلِ فسادٍ جديدٍ في القطاعِ التربويِّ ليتحوَّلَ الى فيلمٍ يشاهدُهُ العالمُ أجمعْ .والصّدمةُ الكبرى حينَ تكتشفُ أنّه من يجبُ أن يحمنا من الفسادِ يكونُ هو الفسادُ بذاتِهِ . ها هي بعضُ المدارسِ الخاصّةِ تحاولُ إنتاجَ مسلسلَ تلاعبٍ باللوائحِ المرفوعةِ الى وزراةِ التربيةِ والّتي تتضمَّنُ إفاداتٍ مزوَّرةٍ وتسجيلِ طلّابٍ وهميّينَ ولمْ تقدِّمْ حتّى الآن ايَّ طلباتٍ للحصولِ على بطاقاتِ ترشيحٍ الامتحاناتِ الرّسميّةِ منْ أجلِ المالِ ربّما او لمحاولةِ الإظهارِ بأنّ المدرسةَ تحملُ طابعاً مختلفًا عن باقي المدارسِ .
فليسَتِ هذه الحالةَ هي الحالةُ الوحيدةُ الّتي تحملُ قضيّةَ الفسادِ لا بل هنالِكَ اعدادٌ هائلةٌ من الفسادِ لا تُعدُّ ولا تحصى وللأسفِ الشديدِ إنّ القطاعَ التربويَّ يُصابُ بالفسادِ في الوقتِ الّذي يجبُ عليهِ حمايةُ هذه الأصعدِ وهو من يحملُ رمزيَّةَ الثّقافةِ والتّربيةِ الّتي يحاولُ نقلَها الى الجيلِ الصاعدِ.
يؤدي الفسادُ في قطاعِ التّعليمِ إلى تآكُلِ الثقةِ الاجتماعيَّةِ، وتفاقُمِ عدَمِ المساواةِ، وتخريبِ التّنميةِ. تتراوحُ أنواعُ الفسادِ في التّعليمِ الابتدائيِّ والثانويِّ من الغشِّ الأكاديمي إلى الرشوةِ والمحسوبيّةِ في تعييناتِ التدريسِ إلى التّلاعبِ بالعطاءاتِ في شراءِ الكتبِ المدرسيّةِ واللّوازمِ، بعد تحديدِ المشكلاتِ الأولويَّةِ، يمكنُ للممارسينَ استخدامُ أدواتِ تعزيزِ الشّفافيّةِ والمساءلَةِ لمعالجةِ السلوكيّاتِ الفاسدةِ والحوافزِ الكامنةِ وراءَها.
يؤدي تحويلُ الأموالِ المدرسيَّةِ إلى حرمانِ المدارسِ من المواردِفي حينِ أنَّ المحسوبيّةَ يمكنُ أنْ تضعَ معلّمينَ غيرَ مؤهّلينَ في الفصولِ الدراسيّةِ، و قد يؤدّي التلاعبُ في العطاءاتِ إلى كتبٍ مدرسيَّةٍ وإمداداتٍ ذاتِ جودةٍ رديئَةٍ، وعندما يتعيّنُ على العائلاتِ دفعُ رشاوى مقابلَ الخدماتِ، فإنّ هذا يضعُ الطلّابَ الفقراءَ في وضعٍ يقلِّلُ منَ المساواةِ في الحصولِ على التعليمِ.
و يهدِّدُ الفسادُ ايضًا في التّعليمِ رفاهيّةَ المجتمعِ؛ لأنّهُ ينقصُ الثّقةَ الاجتماعيَّةَ ويزيدُ من عدمِ المساواةِ، إنّهُ يخرّبُ التّنميةَ من خلالِ تقويضِ تكوينِ الأفرادِ المتعلّمينَ والكفؤينَ والأخلاقيّينَ للقيادةِ المستقبليّةِ والقوى العاملةِ.
وعلى نطاقٍ آخرَ ، يقصَدُ بالفسادِ في قطاعِ التعليمِ على أنّهُ الاستخدامُ المنهجيُّ للمنصبِ العامِّ منْ أجلِ القيامِ على تحقيقِ المنفعةِ الخاصّةِ، والّذي يكونُ لهُ تأثيرٌ كبيرٌ على توافرِ السِّلعِ و جودتِها والخدماتِ التعليميّةِ، وله أيضًا تأثيرٌ على الوصولِ إلى التعليمِ الأساسيِّ النّاجحِ، ولسوءِ الحظِّ تمَّ إجراءُ القليلِ منَ الأبحاثِ لمقارنةِ تكاليفِ الفسادِ في قطاعِ التعليم.
فاليومُ ومع هذا الصراعِ التربويِّ الذي نعاني منهُ ندعو بقوّةٍ إلى فتحِ العيونِ على كل مظاهرِ النّظامِ التربويِّ والتعليميِّ ونبشِ كلِّ ملفاتهِ بحثًا عن ممارساتٍ فاسدةٍ من اجلِ فضحِها والتعريفِ بها والضغطِ من اجلِ إصلاحِها. إنَّ الفسادَ لا يأتي من لا شيء، فهو مثلُ البكتيريا لا يعيشُ إلّا في بيئاتٍ ملائمةٍ توَفِّرُ له العفنَ الكافي ليترعرعَ ثم ينشُرَ بلاءهُ على العبادِ.
ويجبُ ايضًا فتحُ العيونِ على جميعِ الأنظمةِ التعليميّةِ وبدونِ استثناءِ احدٍ فلا احدَ محصَّنٌ ضدَّ الفسادِ. فأينما وُجدَ المالُ أو السلطةُ وجدْتَ هناكَ فرصةً لبكتيريا الفسادِ لكي تتكاثرَ وتنتشرَ، فبكتيريا الفسادِ تعشقُ أصحابَ المالِ والسّلطةَ كما تحبُّ الفراغاتِ الإداريّةِ والقانونيّةِ في أيِّ مؤسّسةٍ تعليميّةٍ.
فمنْ وحيِ هذا الإطارِ ،مؤسساتُ القطاعِ العامِّ التربويّةِ قد تعاني من الترهُّلِ والإنفاقِ غيرِ الرّشيدِ، والتّعييناتِ لموظفينَ غيرِ كفوئينَ. ففي جامعةٍ واحدةٍ سمعْتُ أنّ هناكَ أكثرَ من 5500موظفٍ إداريٍّ!!! فمن أينَ أتى هؤلاءِ وكيفَ تمَّ تعيينهُمْ ومن عيّنَهُمْ وعلى أيّةِ أسسٍ؟ وهل تحتاجهُم هذه الجامعةُ الّتي تئنُّ تحتَ وطأةِ المديونيّةِ الضخمةِ؟ ولقد سمعْتُ أنّ أحد المسئولينَ الكبارَ تباهى يوماً أمامَ أقاربهِ وأبناءِ مدينتهِ بأنّهُ يتحدّى إن كانَ هناكَ من هو أكثرُ منهُ قام بتعييناتٍ لأبناءِ عشيرتهِ الأقربينَ!
ففي لبنانَ حيثُ ينتشرُ الفسادُ على مختلفِ القطاعاتِ الرسميّةِ او الخاصّةِ يجبُ إعداةُ هيكليّةِ التّعيينِ للمدراءَ والأساتذةَ فالبعضُ منهم لا يملكُ الكفاءةِ والبعضُ منهم يحاولُ تقديمَ عملهِ بمبلغٍ من المالِ فهل أصبحَ القطاعُ التربويُّ الّذي يتحضّرُ للجيلِ القادمِ هو مصابٌ بسرطانِ الفسادِ.؟.
ومن حيثُ الفشلِ القائمِ على القطاعِ التربويِّ تلعبُ السياسةَ دورها بهذا القطاعِ رغمَ أنّها بعيدةٌ جدًّاولكنْ اصبحتْ المدارسُ والجامعاتُ وحتى الوزراتُ هي على محسوباتٍ سياسيّةٍ مختلفةٍ واصبحتْ السياسةُ هي تهديدٌ لمرحلةِ القطاعِ التربويِّ كما ويجبُ المراعاةُ لهذا القطاعِ وفصلهِ عن السياسةِ بشكلٍ بحتيٍّ حيثُ انّه يحملُ الفسادُ لهذا القطاعِ مخاطرَ عديدةٍ وينبغى إلغاؤها من اجلِ اسنادِ التّعليمِ الكاديميِّ مجدّدًا .
فمن حيثُ انّ الفسادَ يتراكمُ اكثرَ في لبنانَ على جميعِ الاصعدةِ ولكن دائمًا الفسادُ يكونُ نتيجةَ غيابِ الرقابةِ الإداريّةِ والمتابعةِ المستمرّةِ لمستوى الأداءِ الوظيفيِّ في المنظّمةِ أو المؤسّسةِ أو أيِّ قطاعٍ يحتوي على مجموعةِ أعضاءٍ أو موظّفينَ يعملونَ تحتَ مديرٍ أو قائدٍ أو مسؤولٍ معيّنٍ.
عندما لا يجدُ الموظّفُ أو المرؤوسُ الرفاهيّةَ العمليّةَ والعملُ بصدقٍ ونزاهةٍ ويجدُ مضايقةً من قبلِ الرّئيسِ عليهِ، يحاولُ هنا جاهدًا أنْ يقدّمَ تنازلاتهِ على حسابِ مستوى الإنتاجِ العمليِّ الذي يقومُ به؛ ولأنَّ أغلبَ المُدراءِفي البيئةِ العمليّةِ دائمًا ما يحاولونَ فرضَ إملاءتهِمْ على الموظّفينَ بحجّةِ كسبِ الولاءِ الوظيفيِّ والعملِ تحتَ أمرهِمْ والخضوعَ للأخطاءِ، دونَ مراجعةٍ أو رفضٍ مُعلنٍ.
فهذا التّقصيرُ الجذريُّ الّتي بنتهُ الدّولةُ واهملتهُ منذُ سنواتٍ أتتُ النتيجةُ على هيئةِ انهيارٍ يشهدهُ القطاعُ التربويُّ تأثيرًا بحكمِ السّياسةِ وتعيناتِ وزراءَ غيرَ كفوئينَ همُّهمْ منصبٌ مع وضعِ القوانينِ التعليميّةِ دونَ تطبيقٍ فإذا استمرَّ الفسادُ اكثرَ فهلْ سيستمرُ التّعليمُ في لبنانَ؟ هل سيُخلقُ جيلٌ يحملُ هويّةً تربيّةً وطنيّةً ثقافيّةً تربويّةً بحتيّةً؟.
وفي خلاصةِ القولِ، لبنانَ أصبحَ غريقَ الفسادِ فتخطّى الرّقمَ القياسيَّ في هرمِ الفسادِ و أصبحَ يعزفُ على جرحٍوطنيٍّ لحنًا تدخِلهُ في غيبوبةٍ ليستمرَّ في الغرقِ اكثرَ فيجبُ على الوزارةِ التعليميّةِ ان تستيقظَ من تلكَ الغيبوبةِ كي نستطيعَ معالجةَ الفسادِ الّذي اصابَ القطاعَ التربويَّ.