عنف الشّاشة الصّغيرة مقال✍️بقلم جويل ابو علي

 عنف الشّاشة الصّغيرة مقال✍️بقلم جويل ابو علي

يظهرُ أنّ تفشّي العنفِ في المجتمعِ، وفي أواسطِ الأطفالِ، أصبحَ كابوسًا يؤرقُ مضاجعَ السياسيّينَ ، والإعلاميّين، وعلماءَ التّربيةِ، ورجالَ القضاءِ، والمربين، والآباء والأمهات. سلسلةٌ من الأحداثِ العنيفةِ والمرعبةِ الّتي كانَ أبطالها وضحاياها أطفالٌ في الحيّ السكنيّ أو المدرسةِ هزّت أكثر من عاصمةٍ في العالمِ.طفل ضرب زميله إلى حدّ الموت. مجموعةٌ من الأطفال “انتقموا من معلّمتهم في ساحة المدرسةِ لأنّها وبّخت أحدهم على تقاعسه في أداءِ واجباتهِ المنزليّةِ! مثل هذه الأحداثِ المأساويّة تكادُ لا تنتهي وإن تناسينها لحظةً فإنَ صحافةَ الإثارةِ موجودةٌ لتذكّرنا بها بقوّةٍ.
إنّ العنفَ يمكنُ أن يكونَ علنيًّا أو مستراً ، الّا أنّ اهتماماتِ المختصّين والمربّين ظلّت مرتبطةً بالعنفِ الجسمانيِّ الّذي تُظهرُه وسائلُ الإعلامِ المختلفةِ، دونَ غيرهِ من أشكالِ العنفِ. وهكذا تم إبعادُ العنفِ اللّفظيِّ الّذي يشكّلُ المرحلةَ الأولى من العنفِ العامِّ. تمَ إبعادُ العنفِ العاطفيِّ ، والعنفِ الرّمزيِّ الّذي تحدّثَ عنه الباحثُ الفرنسيُّ بيار بورديو في كتابِهِ: “عن التلفزيون”.
إن اختصارَ مسألةِ العنفِ ووسائلِ الإعلامِ في المظاهر الجسمانيّةِ والفيزيائيّةِ فقط هو تضييقٌ لدائرةِ النّقاشِ حولَ هذه الظاهرةِ، وربطُها بالأطفالِ فقط نظرًا للاعتقادِ بأنّ الطّفل هو ” الحلقةُ الأضعفُ” في جمهورِ وسائلِ الإعلامِ لأنّه ببساطةٍ لا يفرّقُ بينَ ما هو خياليٌّ وواقعيٌّ في الشّاشةِ الصّغيرةِ.
العنفُ الجسديُّ يمكنُ حصرُه وتعينُه بكلِّ دقّةِ داخلَ الموادِ الّتي تقدّمُها وسائلُ الإعلامُ وخارجَها. لكن ما يصعبُ حصرهُ هو الأنواعُ الأخرى من العنفِ: العنف العاطفيّ، والنفسيّ، واللّفظيّ، والرّمزيّ والّذي يتعدّى نشاطَ مؤسساتِ الإعلامِ ويمسُّ بقيّةَ المؤسّساتِ الاجتماعيّةِ والاقتصاديّةِ والثقافيّةِ القائمةِ في المجتمعِ والّتي تنتجُ أو تعيدُ إنتاجَ هذه الأنواعُ من العنفِ والّتي تمسُّ أكبر عددٍ من الناس: الأطفال، الشّباب، المرأة، الشيوخ والعجزة، والأقليّات العرقيّة والدّينيّة، وغيرها… هكذا يتحوّل العنفُ إلى قضيّةٍ شاملةٍ تتعلّق بسيرِ المجتمعِ كامل.