الإنسان والمرآة. مقال بقلم✍️زينب سليمي

الإنسان والمرآة. مقال بقلم✍️زينب سليمي


في
 بدايةِ الحديث، هناك مواجهة سأُصارحُكَ بها، أنتَ تهتم بنفسك ليس لنفسك، أنتَ تهتمبها لأنّك بحاجة ماسة لسماعِ اطراءٍ جميل من أحدهم

سأثبتُ لكَ ذلك

  تخيل معي لو أنّكَ تعيشُ بمفردكَ في الحياةِ، ليس هناك أحدٌ سواك، هل كنت حقًاستسرحُ شعركَ حتى؟ 

بالطبع لا، ليس لأنّك لا تعلم كيفيّة القيامِ بذلك، بل لعدمِ وجود منفعة منه

تخيل بشكلٍ مختلف، أنتَ ضمن هذا المجتمع ولكنّك تعيشُ بمفردك، هل ستستيقظ كلّصباح و توضب فراشك؟ بالطبع لا

  في مجتمعنا العربيّ نعيشُ هذه الحالة يوميًّا، فالأغلبية من النّاس تهتم بنفسها لأنّهاتهتم برأي المجتمع بها وبالأخص على صعيد المظهر الخارجي

في الصّباح الباكر نقوم بروتين مُعيّن، و نرتدي أجمل الملابس رغم أنّنا ذاهبون للعمل، كما  ونحاول أن لا نرتدي الملابس ذاتها خلال أسبوع واحد، و بذلك في كلّ يوم نسمع ملابسك جميلة حقًا”و “من أين تشتريها؟”… 

الرّجل و المرأة سواسية في هذا المفهوم، ربما هو ليس مفهومًا  خاطئ، لكنّه وصل إلى حدالمبالغة، و هنا موضوعنا

أصبح الاهتمام بالشّكل الخارجي يفوق الاهتمام بالعقل، فإنّ العديد من النّساء و الرّجاللا يكتفون فقط بملابس جديدة و رائحة عطر جذابة، بل فاق الأمر إلى حد التّجميل و تغييرشكلهم الأساسيّ و كأنّما  كلّ ما زِدْتَ عملية تجميليّة كلّما سَمِعْتَ اطراءاً أجمل”

ان نسبة عمليات التّجميل قد بلغت حوالي ١١،٣٦ مليون عملية جراحية عام ٢٠١٩، ومازال هذا العدد في تزايد حتى اللحظة.

امّا من الناحية النّفسية،  فإن علم النّفس أشار إلى عمليات التجميل أيضاً قائلاً  انه منالأسباب : هوس ما قبل المراهقة، فإن هوس التجميل يمكن أن يبدأ قبل سن المراهقة، قد تبدأالفتاة مثلاً، منذ الصغر التشبه بوالدتها من خلال وعيها على مثل الأم الذي يُظهر لهاالصّورة الّتي ستكون عليها عندما تكبر، فإذا كان هدفُ الأم هو التركيز على جسدها ومظهرها و الإبتعاد عن الأمور الحسّاسة و الصّعبة، ستعيش ابنتها هذه المراحل، وستدخل في جو المظاهر، و بدلاً من أن تنمو بتوازن بين الظاهر و الباطن، ستعيش صراعاًمن الداخل

من الأسباب الأخرى، وُسواسُ السّعي إلى الكمال، اي سعي الفرد الى الكمال من دونوجود اي خللٍ وهميٍ او حقيقي في مظهرهِ الخارجي، والذي يتسبب بخللٍ في افراز مادةالسيروتونين الموجودة في الدماغ ما يؤثر على مزاج الانسان حيثُ يزيد من توتّره ويدخلهحالةً من الكآبة، حيث يمكنُ رد الاضطراب الى جرحٍ نرجسيّ لدى السّيدة يهدِّدُ استقرارهاالنّفسي، يترك اثره بصورٍ متعددة منها القلقُ والهذيان المنوطانِ بالجمال

و أيضاً، أدوارٌ سيئة، مستوى الرّقيّ الدّاخلي في الشرق الاوسط تدنّى وبات تغييرُ المظهرالخارجيّ اسهلَ بكثيرٍ من العملِ على تطويرِ الجمال الدّاخلي، لذلك اختصرت القيمةُالباطنية بالشّكل الخارجي، و أنّ  تأثيرها سيئٌ ومباشر من خلال اعطاءِ الصورةِوتحويلها الى الخيالٍ، فالمرأة تعجبُ بأشكالِ فناناتٍ وصوَرٍ متداولة على الانترنت، تتخيّلنفسها في ذاتِ الجمال، قبل ان تتخذ قرارها بالإقدام على اجراء التّغييرات

و أخيراً، الغيرة تزيدُ حماسَ السيدات، كما أنّ الوضع الماديّ يلعبُ دوراً سيّئاً، كونَه يساعِدعلى التغييرِ الخارجي بسرعة،  فالسيدةُ التي تجِد صعوبةً في تنميةِ داخلها النّفسيّوالعقليّ والدّيني تلجأ الى تغيير شكلِها، في حينِ ان المرأة التي تكتشفُ مدى الطّاقةوالقوة في شخصيّتها، لا تؤثّر عليها التّحسينات والتّغييرات الشّكليّة، ولا يعنيها الكمالُفي الجمال، تتقبّل تقدّمها في السّن وتعلّم أن لكلّ عمرٍ جماله ويجِب استيعابه

إنّ اعلانات الجمال تلعبُ بأفكارِ الفرد خاصّة إذا كانت شخصيّته هشّة تتقبّل الايحاءات،كما أنّ غياب النّضج والوعي يدفعُ الفتيات إلى مثلِ هذه الخطوات التّي  ينتجُ عنها آثارٌاجتماعيّة تظهرُ في نشاطاتِها الاجتماعيّة والوظيفيّة والمدرسيّة والأسريّة، لذلك علىالنّساء الإقتناع بمظهرهنّ، وإلاّ يُقدمن على إجراء أيّ عملية تجميل إلا في حالِ وجودتشوهات

أما من ناحية الدّين، فتتعدّد الآراء فالبعض يقولُ انهّ جائز و لا حرج فيه و بالأخصّ إذا كانبغرض تحسين تشوّه معين، و البعضُ الآخر يقول إنّه غير جائز  إذا ما استلزم الأمر له،  فبذلك يقوم  الإنسان بتغيير خلقِ الله سبحانه وتعالى، حيث قال تعالى:“لقد خلقناالإنسان في أحسن تقويم”

فإنّ تغيير الشّكل ناتجٌ عن أحوالٍ اجتماعيّة لا غير، ربمّا نتيجة لاضطراب نفسي، و عدمالشّعور بالكمال مما يدفعُ الشّخص لتحسين مظهره الخارجي ليستمع لاطراءٍ يعزّز ثقتهبنفسه

نحن لا نواجه الإطراء الجميل، على العكس، انه لشيءٌ مهم في حياتنا اليوميّة، و لكنّنانحوال الإبتعاد عن تغيير الجمال فينا لإسعاد الآخرين، في الوقت الّذي نمتلكُ مهاراتٍ،وعقلاً، وجمالًا لا يُشبه أحد

وفي النّهاية، حاول أن تحسّن من قدراتك ومهاراتك وعملك في المجتمع، أثبت جدارتك فيالأمور العمليّة و الأخلاقيّة، والدّينية، والاجتماعيّة، قبل إثباتك لمظهرك الخارجي، فإنّ هذاالشّيء سيكون أكبر دعمٍ لكَ.

إذًا،  البساطة كالقناعة، كلاهما كنزٌ لا يفنى”