قارِبُ الموتِ السَّريعِ، مقال بقلم ✍️هيام كساسير

قارِبُ الموتِ السَّريعِ، مقال بقلم ✍️هيام كساسير

 
أكتُبُ أم لا أكتُبْ ضاقَتْ بيَ الأرضُ ذرعًا، حينَ سمعتُ على المِذياعِ أخبارًا سيِّئَةً ، أخبارًا كالسَّيفِ حادَّةٌ أصابَتْ قلبي . في ليلَةٍ ليسَت كباقي اللَّيالي كنتُ أرتَشِفُ قهوَتي، وإذ بيَدايَ ترتَجفانِ من شدَّةِ ما سمِعتُ، سقطَ فِنجاني أرضًا وتَبعثَرَ نظَري هنا وهناكَ.
قصَّةٌ من أقاصيصِ الحياةِ القاسيَةِ، تقشعِرُّ لها الأبدانُ، وتَرتَجِفُ لها القُلوبُ ،والبكاءُ يعمُّ المكانَ،والأوجاعُ تسودُ ,والظَّلامُ الحالُكُ يُخيِّمُ على أرجاءِ البحرِ من كلِّ جهَةِ و ناحيَةٍ..
وصرَخاتُ الأمَّهاتِ والآباءِ والأطفالِ تعلوا أصواتَ الأمواجِ، وتلومُ كلَّ الظُّروفِ التي أودَتْ بهِمْ لما هم عليهِ اليومَ.
حلِموا بأملٍ جديدٍ ، ومستقبلٍ واعدٍ ،حينَ لملَموا أغراضَهُم وصورَهُم وبقايا ذِكرياتٍ تجمَعُهُم بأهلِهِم وأحبابِهِم، ولكنَّ الوجعَ يُدمي قلوبَهُم وآمالَهُم الغارقَةَ في قلبِ الظُّروفِ ،تراكمَتِ الأحداثُ وتوالَت الصِّراعاتُ النَّفسيَّةُ والمادِّيَّةُ والإقتصاديَّةُ ، فاستفاقوا على غُربةٍ عنِ الوَطنِ ، على أملٍ بالعودَةٍ من جديدٍ.
ليُبحِروا على متنِ قاربِ الموتِ السَّريعِ،رَكبَ الكثيرُ والكثيرُ من الشَّبابِ والعائلاتِ الحالَمَةٍ بيومٍ مُشرِقٍ جديدٍ.لا يكادُ الإنسانُ يفارِقُ المَوتَ حتى يُعاني بديلًا عنهُ.
هرَبوا من حياةٍ مأساويَّةٍ، وفُقرٍ يجتاحُ بيوتَهُم ،فحينَها إشتدَّتِ المصاعِبُ ، لم يكُن باليدِ حيلَةٌ غيرَ الرَّحيلِ والهِجرةِ الغيرِ شرعِيَّةٍ، ولكن ما حصلَ لم يكُن بالحُسبانِ.
فإختاروا أسوءَ مِمّا كانوا يعيشونَهُ،
رِحلَةٌ في البحرِ قَدَرُها محتومٌ،نهايَةٌ ليسَتْ كباقي النِّهاياتِ السَّعيدَةِ وتحقيقِ الآمالِ والأحلامِ المَرجُوَّةِ.
ساروا على خَطٍّ مقطوعَةٍ حبالُهُ، والبحرُ أمواجُهُ عاليَةٌ تعلو صرخاتِ الأمَّهاتِ والأباءِ يبحثونَ عن أطفالِهِم بينَ أمواجٍ تأخُذُهُم هُنا وهُناكَ.
 رَحلوا دونَ استئذانٍ،ملامِحُ الطُّفولَةِ ضاعَت من أيادي الأمَّهاتِ.
أتى الغُروبُ ليُودِّعَ ضَحِكاتِ الطُّفولَةِ ويُعلِنُ بصوتٍ عالٍ لقد رَحل النَّهارُ وبدأت عتمَةُ الحياةِ تكتُبُ أملًا جديدًا،
دقَّت ساعةُ الرَّحيلِ. دونَ عودَةٍ والخسارَةُ الأكبرَ فقدانُ عائلاتٍ وأرواحٍ دونَ سابِقِ إنذارٍ ،لم يبقى شيئٌ كما كانَ ، لم يعلموا أنّ الظُّروفَ التي كانوا يعيشونَها كانَت أرحَمُ من رُكوبِ قارِبِ الأحلامِ الذي تحَوَّلَ إلى قاربِ الموتِ السَّريعِ.
مَوتٌ  حضَنَ الجميعَ بِسُرعَةِ البرقِ ،وأخذَ أحلامَهُم وقضى على آمالِهِم،
مِمّا جعلَ في القلبِ غَصَّةً على من رَحلوا .
يا بحرُ موجُكَ كبَتَ الأنفاسَ، غَرِقوا فيكَ ليلًا آلافَ المَرّاتِ
حاوَلوا وحاوَلوا وحاوَلوا ولكن قَدرُهُم مكتوبٌ على الجبينِ.قدرٌ محكومٌ بالموتِ،والرَّحيلِ بكُلِّ الأحوالِ.
رحِمَ اللّه أرواحًا عانَتْ حينَ كانَت وحينَ رحلَت.
باللّه عليكَ يا بحرُ هل تأمَّلْتَ وجوهَهُم قبلَ الرَّحيلِ، وملامِحُ التَّعبِ والوَجعِ قبلَ الموتِ؟؟؟