عَلَى مَذبَحِ الأَحلَامِ مقال ✍️ بقلم علي سعيد

عَلَى مَذبَحِ الأَحلَامِ مقال ✍️ بقلم علي سعيد

كَانَت أَيَّاماً جَمِيلَةً، كَانَت قُلُوبُنَا مَوطِنًا لِلحُبِّ، وَ أَروَاحُنَا مَرقَدًا لِلسَّلَامِ، كُنَّا نَخُطّ أَقدَارَنَا بِعِرَقِ الجَبِينِ، وَ نَرسُمُ مُستَقبَلَنَا بِأَقلَامِ الشَّغَفِ وَ الطَّمُوحِ، كَم رَاوَدَتنَا أَحلَامٌ حَسِبنَاهَا مُستَحِيلَةً، بَاتَت وَاقِعًا بَعدَ حِينٍ، وَ لَكِن بِالمُقَابِلِ، كَثِيرًا مِن أَحلَامِنَا تَهَشّمَت عَلَى أَنقَاضِ وَطَنٍ جَرِيحٍ.

مَن كَانَ يَعلَمُ أَنَّ الأيّامَ ستَقُودُنَا الَى مُستَنقَعٍ تَفُوحُ مِنهُ رَائِحَةُ الْحُزنِ؟ أَن تَرقُدَ أَحلَامُنَا فِي قَعرِهِ، وَ تَغرَقَ فِيهِ أَجمَلُ لَحَظَاتِ العُمرِ، فِي عَتَمَتِهِ جَثَمَت أَنّاتُ قُلُوبِنَا الثّكلَى وَ آهَاتُ أَروَاحِنَا المُضطَرِبَةِ، لَم يَبقَ مِنّا إِلَّا أجسَاداً هَزلَةً تَائِهَةً عَلَى أَرضِ وَاقِعٍ مُعَذَّبٍ.كَانَ مِن المُفتَرَضِ أَن نَتَزَوَّجَ بِالأَمسِ القَرِيبِ، و أَنْ نسكُنَ ذَلِكَ البَيتَ الَّذِي نَسَجنَا جُدرَانَهُ مِن خُيُوطِ الأَمَلِ فِي اللَّيَالِي الغَابِرَةِ، أَن نَسقِيَ نَبَاتَاتِ حَدِيقَتِنَا السَّرمَدِيَّةِ حَتَّى تُنبِتَ وَرَدًا، أَصنَعُ لَكِ مِنهُ تَاجاً… كَانَ مِن المُفتَرَضِ أَن تَعُمّ البَهجَةُ دِيَارَنَا وَ يَعلُوَ صَدَى ضَحِكَاتِنَا فِي سَمَاءِ مَمْلَكَتِنَا الخَالِدةِ.

لَكِن فِي ذَلِكَ اليَومِ، وَجَدتُ نَفسِي مُرغَمًا عَلَى أَن أَتَوَقّف فِي مُنتصَفِ الطَّرِيقِ، فَقَد نَفَذَ وَقُودُ سَيَّارَتِي، وَقَفتُ تَائَهَاً حَائِرًاً عَلَى مُفتَرَقِ الحَيَاةِ، قَرَّرتُ أَن أُتَابِعَ سِيرِي بِبُطءٍ، لَكِنّي تَأَخّرتُ كَثِيرًا، فَثَمَنُ بَيتَنَا الَّذِي ادّخَرتُهُ، مَا عَادَ يَكفِي حَتَّى لِلأثَاثِ، البَيتُ الَّذِي نَسَجنَاهُ أَصبَحَ هَبَاءً مَنثُورًاً، حَدِيقَتُنَا يَا حَلوَتِي جَفّ تُرَابُهَا، وَ يَبِس زَرعُهَا، وَ ذَبُلَت أَزهَارُهَا.لَقَد قَرّرتُ أَن أَعُودَ أَدْرَاجِي، كَحَالِ كُلِّ شَيءٍ فِي هَذِهِ البِلَادِ، يَعُودُ الَى الوراءِ. لَا تَحزَنِي، رُبّمَا مِن الأَفْضَلِ لَنَا الرُّجُوعُ، لَعَلّنَا نَعُودُ الَى زَمَنٍ لَم نَكُنْ نَعرِفُ بَعْضَنَا فِيهِ، عَلنًا نَعُودُ غُرَبَاءَ…

لَن أَقُولَ لَكِ اليَومَ إِنِّي أُحِبُّكِ، سَأَقُولُ أَنِّي لَم أُحِبَّ أَحَدًا بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ مِن قَبلُ، أَعلَمُ أَنِّي سَأَشْتَاقُ كَثِيرًا، رُبّمَا يَحمِلُنِي الحَنِينُ اليَكِ ذَاتَ لَيلَةٍ بَارِدَةٍ، لَا أَعلَمُ مَا الَّذِي يُخَبّئُهُ لَنَا المُستَقبَلُ، لَكِنِّي أَعِدُكِ بِأَن أَحفِرَ فِي قَلبِي صُورَةَ بَيتِنَا الَّذِي تَهدّمَ… الَى الأَبَدِ.إِنّهُ لَأَمرٌ مُخِيفٌ كَيفَ نَفقِدُ النَّاسَ فِي طَرِيقِنَا.

مُخِيفٌ كَيفَ تَتَغَيَّرُ الأَشيَاءُ ، حَتّى قُلُوبُنَا أَو أَفكَارُنَا المُبَعثَرَةُ. إِنَّهُ مُخِيفٌ حَقّا وَلَكِنَّهُ جَمِيلٌ ، فَبِإِمكَانِنَا عَلَى الدّوَامِ، أَنْ نَبدَأَ مِن جَدِيدٍ…