“البَوحُ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ عَلَى فُقَرَاءِ الفِكرِ!” مقال بقلم✍️ زينب سليمي

“البَوحُ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ عَلَى فُقَرَاءِ الفِكرِ!” مقال بقلم✍️ زينب سليمي


نَعلمُ أنَّ الفقرَ هو مِن أكثرِ الأَشيَاءِ الموجِعةَ لدى الإنسانِ، وَ لكن ماذا لَو كَانَ الفقرُ بِالثَّقَافَةِ الفكريَّةِ؟
أن يكونَ لديكَ نَقصٌ مِن نَاحِيةِ الإِحتِياجاتِ الأَسَاسِيَّةِ وَ اليَومِيَّةِ كَالمَأْكَلِ وَ المَشْرَبِ وَ المَلبسِ لَيسَ سوى فَقرِ حَاجَاتٍ فَقَط، وَ لَكِنَّ نَقصَ الثَّقَافَةِ الفِكرِيَّةِ عِندَ الإِنسَانِ لَهُوُ الأَصعَبُ وَ الأَخطَرُ.
إنَ الثَّقَافَةَ الفِكريَّةَ لَيسَت مُقتَصِرَةً فَقَط عَلَى دُخُولِ المَدَارِسِ وَ الجَامِعَاتِ وَ تَحصِيلِ التَّعلِيمِ العالِي، فَهِيَ أَيضًاً تَتَضَمَّنُ الثَّقَافَةَ الِاجتِمَاعِيَّةَ لِلفَردِ، مِن حَيثُ التَّعَامُلُ معَ الآخَرِينَ وَ كيفيَّةِ العيشِ بِشَكلٍ صَحِيحٍ ، كَيفِيَّةِ اكتِسَابِ الرِّزقِ وَ التَّطَوُّرِ، كَيفِيَّةِ آدَابِ الطَّعَامِ وَ الملبسِ، كَيفِيَّةِ التَّعَامُلِ مَعَ مَوَاقِفِ الحَيَاةِ، فَالجَهلُ ليسَ فَقَط جهلَ اللُّغَةِ فَهُوَ أَيضًا جَهلُ الفِكرِ الِاجتِمَاعِيِّ.
مِن نَاحِيَةٍ أُخرَى، تُعتَبرُ ثَقَافَةُ الفِكرِ مِن نَاحِيَةِ اكتِسَابِ بَعضِ السُلُوكِيَّاتِ الغَيرِ مُنَظَّمَةٍ مِن قِبَلِ أَفرادٍ آخَرِينَ مِمَّا يُسَاهِمُ بِإِنتِشَارِ الفَوضَى، كَالجرَائِمِ وَ السَّرِقَةِ وَ حذفِ السُّلُوكِيَّاتِ الحَمِيدَةِ عِندَ التَّفَاعُلِ مَعَ الآخَرِينَ، أي أنَ ثَقَافَةَ الفِكرِ هِيَ ذَلِكَ الفِكرُ الَّذِي يَنتَقِلُ مِن جِيلٍ إِلَى جِيلٍ وَ يَخلقُ مُجتَمَعًا يعيشُ افرَادهُ فِي حَالَةٍ سَلبِيَّةِ وَ تَرَاخٍ وَ هِيَ اشبَهُ بِثَقَافَةِ البقاءِ لِلَاقوَى.
إنّ ثَقَافَةَ الفِكرِ لَا تَنتهي بِإِنتهاءِ الفَقرِ، فَالفَقرُ حَالَةٌ تَنتَهِي عِندَ التخلص مِنهَا، لَكِنَّ الثَّقَافَةَ هي طَرِيقَةُ تَفكِيرٍ قَد لَا يستطيعُ الشخصُ التَّخَلُّصَ مِنهَا.
تتمثّلُ عَادَةُ ثَقَافَةِ الفِكرِ فِي البخلِ, الجَشَع, الِانقِضَاضِ عَلَى جمعِ الأَموَالِ, عَدَمُ مُسَاعَدَةِ المُحتَاجِ, التَّبذِيرِ, التَّبَاهِي بِإِقتِنَاءِ الأشيَاءِ البَاهِظَةِ, اللُّجوءُ إِلى اقتِنَاءِ السلاحِ بِحَسبِ فِكرةِ البَقاءِ للاقوَى.
ماذا قالَ عن هَذه الثَّقَافَةِ؟
“أوسكار لويس” هو من أوّل علماءِ الِانتُروبُولُوجِيِّ الَّذِي تَنَاوَلَ هَذَا المفهُومَ عَامَ ألف وتسعُمئَةٍ وستّونَ ، حَيثُ قَامَ عَلَى مُتَابَعَةِ خمسةِ أُسَرٍ فَقِيرَةٍ لِمَعرِفَةِ كيفَ يُفَكِّرُونَ.
و قد استخلَصَ بَعضَ الأُمُورِ الأَسَاسيّةِ مثل المَيلِ الي العُزلةِ و عَدَمَ المُشَارَكَةِ فِي الحَيَاةِ الِاجتِمَاعِيَّةِ، الشُّعُورُ بالدونيةِ وَ النقصِ، الشعُورُ بِالتهميشِ،غيابُ الرجلِ عن دَورِ الإِنفاقِ، فَتُصبِحُ المَرأَةُ هِيَ المُعِيلَةَ،وَ بِنَاءُ نَمَطٍ مِن الحَيَاةِ مُختَلِفٌ عَن نَمَطِ المُجتَمَعِ.
حَيثُ أُوجِدَ عِدَّةَ مَجمُوعَاتٍ مِنهَا :
المَجمُوعَةُ الأُولَى هِيَ مَجمُوعَةُ سِمَاتٍ تَصِفُ العَلَاقَةَ بَينَ الفِكرِ الَّذِي تَتَبَنَّاهُ العَائِلَةُ الفقِيرَةُ وَ بَينَ المُجتَمَعِ ككُلٍّ.
المجمُوعَةُ الثانِيَةُ هِيَ مجمُوعَةٌ مِن السماتِ التي تَتصِلُ بطبيعةِ الأحيَاءِ وَ المناطقِ الَّتِي يَقْطُنُهَا الفُقَرَاءُ مِن كَونِهَا أحيَاءً غَيرَ نظيفةٍ و محطمةٍ.
المجموعةُ الثَّالِثَةُ تَتضَمنُ سماتٍ تَصِفُ الأُسرةَ الفَقيرَةَ وَ كَانَ مِن أهم هذهِ السماتِ دورُ الأسرةِ فِي أهميَّةِ نشأةِ وغرسِ القيمِ، أمّا المجموعةُ الرّابعةُ فهي تتَّسمُ بالصّفاتِ التي تكونُ عليها شخصيّاتُ أفرادِ الأسرةِ الفقيرةِ.
و مع ذلكَ فقد عارَضَ بعضُ العلماءِ و المجتمعاتِ نظريَّةَ “لويس”، قائلينَ أنّه ليسَ بالضّرورةِ أن يكُون لفقراءِ هذه الثّقافةُ الفكريّةُ حيث عارضَهُ “ميشيل هارينجتون” و هو عالمُ إجتماعِ و عالمُ الانتروبولوجِيِّ “والتر ميلر”، حيثُ أضافوا أنّ الطبيعةَ الفكريَّةَ لدى بعضِ المُجتمعاتِ في أمريكا مثلًا لديها طبيعةٌ مختَلفةٌ و تعيشُ بمبدأِ كُلِّ يومٍ بيومه لاغينَ فكرةَ المستقبلِ وَ بِإِيمانِهِم بالقدرِ وَ الحَظِّ دُونَ بَذلِ جُهدٍ للنَّجاحِ، لَا سيَّما اعترَضُ معظَمُ الفقراءِ أيضًا قائلينَ أنّهم يفكّرونَ هكذا بسببِ أوضاعهِم المَعِيشيَّةِ وَ لو وُجِدُوا بِبِيئَةِ أفضلَ و أحسنَ لطوَّروا من نفسهِم أكثرَ!
أن نستطِيعَ التَّخلصَ من الفَقرِ لهو أَسهلُ مِن التّخلصِ من ثَقَافَةِ الفكرِ، فَالمُجتمعاتُ بِحاجةٍ مَاسّةٍ إِلَى محوِ الطريقةِ التي نَنظرُ بِها إِلى الفقراءِ و لا يأتي ذلك إِلّا من خلالِ ايمانِ كُلِّ فَردٍ في مجتمعهِ بضرورةِ أن يحصلَ كلِّ فردٍ محتَاجٍ على مُتطلَّباتهِ، وَ انتزاعُ الفكرِ الذي يَقضي بحَتميَّةِ انتشارِ حالةِ الفقرِ في نفسِ الطّبقةِ الاجتماعيَّةِ.
و علينا كفردٍ مساعدةَ هذه الطبقةَ من الأشخاصِ للحدِّ من فقرِ الثّقافةِ الفكريّةِ لديهِم وَ نهوضُ الفكرِ.
يقالُ أنّ ” الصمتُ صدقةٌ جاريةٌ عَلَى فُقَرَاءِ الأَدَبِ وَ الفِكرِ” و لكِن مَاذَا إذا سَاهمنَا فِي البوحِ و التّكلُّمِ وَ مُسَاعدتهِم للتخلُّصِ من فقرِ الثّقافةِ.