كيفَ أُقنِعُ قلبي أنّكَ لمْ تُخلَقْ لتبقى لهُ؟! إنَّ الحبَّ جميلٌ في كلِّ الحالاتِ و لكنْ عندما يتدخّلُ الفراقُ يصبحُ الحبُّ عندها ذكرى سيئةً تُرجى النّسيانَ. رغمَ معرفتي أنَّ لا شيءَ يدومُ في الحياةِ تعلّقتُ بطرفِ خيطٍ وخلقتُ إصرارًا لديَّ وأحببْتُكَ وتناسيتُ أنّكَ لنْ تبقى للأبدِ.
قيلَ: “فراقُ الأحبابِ سقامُ الألبابِ”.
ترجَّيتُ اللهَ أنْ تبقى ولا تذهبْ ولكنْ كلُّ شيءٍ ممكنٌ في الحياةِ إلّا منعُ المكتوبِ، فاللهُ قدْ يختارُ منْ يريدُهُ ليكونَ في جوارِهِ وقدْ يأخذُهُ باكراً لأنَّهُ أَحبَّهُ. إنّ الحزنَ بعدَ الرحيلِ دائمٌ فما كانَ الحلُّ إلّا النسيان، عندما نسمعُ بموتِ أحدٍ نبكي ونحزنُ عليهِ حتّى إن لم نكُنْ نحبُّهُ ونعرفُهُ، فكيفَ إِنْ كانَ الميّتُ فقيدَنا و عزيزَنا!
عندما نفقدُ أحدًا …نتألّمُ، عندما نعجزُ عن البوحِ عمّا في داخلِنا… نتألّمُ، عندما نشتاقُ… نتألّمُ، فما هو علاجُ الألمِ؟!
إنّ الحياةَ كذبةٌ جميلةٌ تجعلُنا نصدّقُها و نستمتعُ في تفاصيلِها لنتغاضى عن الحقيقةِ المؤلمةِ الّتي تتمثّلُ بالموتِ. مجهولُ كلِّ شيءٍ يبقى مجهولًا إلّا مجهولُ الإنسانِ هو معلومٌ. إنَّ الموتَ لهُ هيبةٌ تهزُّ السّلاطينَ ولهُ صدمةٌ تُفجعُ قلوبَ المحبّينَ ولهُ خَطفةٌ لا ينفعُ الحرصُ منها، و هو كأسٌ على كلِّ إنسانٍ في هذهِ الدنيا أنْ يشربَهُ، فالموتُ هو راحةٌ للميّتِ و وجعٌ للأحياءِ.
نعمْ إنَّ الموتَ حقٌّ ولكنَّ الفراقَ عصيبٌ.
ألا يا موت ويحَكَ لم تُراعِ شعورَ الأحبّاءِ، فرَّقْتَ الأبناءَ عن الأهلِ وفرَّقْتَ الإخوةَ و الأخوات، فرَّرقْتَ العشّاقَ والأصدقاءَ، حرمْتَ الأحفادَ من الأجدادِ كما انّكَ أخذْتَ جنينًا لم يُشاهِدْ الحياةَ بعد وطفلاً من ملائكةِ الجنّةِ.
قالَ سبحانَهُ وتعالى {كلُّ نفسٍ ذائقةُ الموتِ ثمَّ إلينا تُرجعون}. فإنَّ كلَّ يومٍ يمضي من عمرِك يقرِّبُكَ من الموتِ، فتذكَّرْ أنَّ كلَّ عملٍ تفعلُهُ في الحياةِ هو لنِهايتِك، فلا تهتمْ بِبناءِ بيتٍ في الدنيا بلْ إبنِ بيتًا جميلًا للآخرةِ.