منذُ أيارَ الماضي، و مع التشظِّي الواضحِ في مجلسِ النوَّابِ الَّذي أفرزتهُ الٕانتخاباتُ النيابيَّةُ آنذاكَ، بدا جليًّا أن مجلساً عقيمًا كهذا لنْ يقدرَ على إنجازِ الحدِّ الأدنى من مهامهِ بسهولةٍ، فكيفَ الحالُ إذاً مع إنتهاءِ ولايةِ رئيسِ الجمهوريَّةِ السابقِ و تحوُّلِ المجلسِ إلى هيئةٍ انتخابيَّةٍ بحكمِ الدستورِ مهمَّتها انتخابُ رئيسٍ جديدٍ للجمهوريَّةِ؟كما كانَ متوقّعًا، إنطلقَ قطارُ الجلساتِ الِإنتخابيَّةِ بصُورةٍ مخيِّبةٍ، و سرعانَ ما تحوَّلَ إلى مسرحيَّةٍ هزليَّةٍ يشاهدها اللُّبنانيُّونَ كلَّ بضعةِ أيامٍ، خاصَّةً معَ إصرارِ بعضِ النوَّابِ الظُّرفاءِ على أن يُمعِنوا و يتفنَّنُوا في الإستهتارِ بِأصواتِ مُنتَخبيهم، الّذين هُم أيضًا، و عن سَابقِ تصوُّرٍ وتصميمٍ، لم يُعطُوا أيَّ قيمةٍ لأَصواتِهم.حالُ جلسةِ إنتخابِ رئيسٍ للجمهوريّةِ كحالِ سابقاتها، نتيجةً معروفةً سلفًا، وفرصةً متجددةً أمامَ نُوَّابِ الأمَّةِ، لكي يُثبتوا عدمَ أَهليّتهم في الوصولِ إلى الندوةِ البرلمانيّةِ. هناكَ، في جلسةِ مجلسِ النُوَّابِ، نوَّابٌ يقرِّرونَ أَن يُسقطوا ورقةً بيضاءَ، آخرونَ يختارونَ شِعاراتٍ و رموزٍ فارغةً، آخرونَ يستبدلونَ مرشحهم مع كُلِّ جلسةٍ، و في عالمٍ موازٍ، بعضهم يعصرونَ أدمغتَهُم جيِّدًا، لكي يتفنَّنوا في إختيارِ شخصيَّةٍ تشبِهُ مستوى تطلُّعاتهم وسطَ أستخفافٍ بعقولِ اللبنانيِّينَ. ولكن لِما الإستغرابِ، و هم نَفسهمْ من يرقصونَ في لجيَّةِ الهاويةِ منذُ ثلاثِ سنواتٍ، و مستمرُّونَ في هذيانِهم!قد يعتبرُ البعضُ أنَّ الحديثَ عن هذهِ الأمورِ تفصيلًا، ما دامَ المشهدُ العامُّ يشي بِأنَّ طبخةَ الرئاسةِ لم تنضج بعد، لا بل لم توضَعْ في الأَصلِ على النَّارِ. إنّما الأَمرُ هنا، يعبرُ من جهةٍ عن الذهنيَّةِ الموجودةِ في تنصلِ كثيرينَ من المسؤوليَّةِ، و هوَ ما لا يُعَدُّ سِوَى هروبٍ نحوِ الأمامِ و لا يتسبَّبُ إلّا بتعميقِ الأزماتِ و تأجيجها، و هذا ما يفسِّرُ الإتفاقَ الضمنيَّ بينهم على أنّ الوقتَ لَم يحن بعد لِإطلاقِ خطَّةِ طوارئ شاملةٍ. من جهةٍ اُخرى، و يبرزُ التبعيَّةَ العمياءَ للخارجِ و التي تفوقُ الإنتماءَ الوطنيَّ عندَ هؤلاءِ، الَّذي يكادُ يكونُ منعدمًا. ذهنيًّا إنتقلت من الشَّارعِ أيام الحربِ، إلى مواقعِ المسؤوليَّةِ فِي الدولةِ بعدها.إنطلاقًا مِن هنا، ستبقَى هذهِ الجلساتُ فولكلورًا يحاولُ أَن يحافظَ على صورةِ النوَّابِ يقترعونَ بحريَّةٍ وديموقراطيَّةٍ، ولكنَّ الجميعَ يدركُ، بأنَّ هذا الإستحقاقَ، لا يمكنُ أن يمُرّ، من دُونِ مُباركةٍ، أَو حتى رعايةٍ دوليَّةٍ، و التي حتى اللحظةِ، بحسبِ مصادرَ متابعةٍ، بلا أيِّ أفقٍ جديَّةٍ بإنتظارِ مخرجٍ ما أو تسويةٍ ما، لا زالَ البحثُ يدورُ حولهما، و هذا ما لن يحصلَ في القريبِ العاجلِ على أحسن تقديرٍ. بالمحصِّلةِ، سيتفاقمُ الإنهيارُ و ستعصفُ رياحُ الَأزماتِ وَ سَيَتلكَّأُ من هُم في مواقعِ المسؤوليَّةِ حتَّى تتغيَّرَ الحساباتُ الداخليَّةُ و الخارِجِيَّةُ، و نكونُ أمامَ خطوةٍ، تخلطُ الأوراقَ، وتكسِرُ السِّتاتيكو القائمَ فِي أَكثرَ مِن مُعادلةٍ في البلدِ، وعندها يبدأُ البحثُ الجِدّيُّ حَولَ إسمٍ يحظَى بفرصةٍ جديَّةٍ للوصولِ إلى سُدَّةِ الرئاسةِ، بمقبوليَّةٍ داخليَّةٍ، مِن دُونِ انْ يَسْتَفِزَّ الخارجَ.
