السُّلوكُ المتوارِثُ! مقال بقلم✍️ زينب سليمي

السُّلوكُ المتوارِثُ! مقال بقلم✍️ زينب سليمي


تشيعُ اليومَ الدَّعوةُ إِلى تطبيقِالشُّذُوذِ الجنسيِّ، وتقبّلهُ باعتبارِ أَنَّهُ خيارٌ من حقِّ صَاحبهِ أَن يُقرِّرَ مُيولهُ وَجنسهُ، ويدعمُ هذه الدَّعوةُ وسائلُ إِعلامٍ عالميَّةٍ وَدُولٌ كبرى أَقرَّت الشُّذُوذَ حقًّا شخصيًّا، وسمحت للشُّذوذِ أن يكونَ سلُوكًا مقبولًا لدى الأفرادِ، وسمحتْ بالزَّواجِ بينَ الشَّواذ وماذا بعد؟
وفي هذا المقالِ سنناقِشُ قضيَّةَ الشذوذِ ، وفي البدايةِ حينَ نتساءلُ عن ميولِ الطِّفلِ إِلى الشُّذُوذِ الجِنسيِّ من أَينَ جاءَ ؟ وماهي أَسبابهُ؟وكيفَ تقودهُ مشاعرُ الألمِ إِلى سيطرةِ الأَفكارِ الشاذَّةِ التي تُغيِّرُ سلُوكهُ ثُمَّ تقُودهُ إِلى الشُّذُوذِ؟
يُمكنُ أَن نُلخِّصَ الأَسبابَ النفسيَّةَ التي قد تكونُ مجتمعةً وقد تكونُ متفرقةً, من حيثُ العددِ أَو حتَّى من حيثُ درجتها في الجوانبِ التَّاليةِ:
شعورُ الشاذِّ بِأَنَّهُ شخصٌ غيرَ مَحبوبٍ (شعورهُ بعدمِ القبولِ).افتقادهُ لدورِ الأَبِ القُدوةِ من جانبِ الرُّجولةِ في مراحلهِ الأُولَى لتكوينِ شخصيَّتهِ. افتقادُ دورِ الأَبِ يُؤدِّي إِلى إرتِباطهِ الزَّائد بالأُمِّ ممَّا يجعلُ سلوكَ الأُنثى هوَ القُدوة. ينتجُ عمَّا سبقَ ضعفُ الثِّقةِ بهوِيَّتهِ الجنسيَّةِ. في بعضِ الحالاتِ قد يكونُ تعرضَ لإعتداءٍ جنسيِّ في مرحلَةٍِ مُبكِّرةٍ. مُمارسةُ تجارِبَ جنسيَّة مُبكِّرة وقد يكونُ مارس فيها دورَ الأُنثى.
بينَ الحينِ والآخرِ تطفو إِلى السَّطحِ “مُنجزاتٌ” علميَّةٌ بِاكتشافِ جين الشُّذوذِ الجنسيِّ والتي تزعمُ أَنَّ المثْليَّةَ الجنسيَّةَ هِيَ أَمرٌ طبيعيٌّ و”فطرِيٌّ” لدى البشرِ . تُمثِّلُ مثلَ هذهِ الأَبحاث أَو الأَخبار الإعلاميَّةَ إِحدى المُرتكزاتِ الرَّئِيسيَّةِ الَّتي يقومُ عليهَا الخطابُ الإلحاديُّ الَّذي يروّجُ بِأَنَّ المثليَّةَ الجنسيَّةَ ليست علّةً أَو مرضًا عُضويًا أَو خللًا نفسيًّا، وإِنَّما هيَ خَيارٌ مشروعٌ للغايةِ لأَنَّها طبيعةٌ موروثةٌ في الحمض النَّوويِّ البشريِّ يُولدُ بها الإنسانُ ولا يُمكنُ إِزالتها مِنهُ فضلًا عن عقابهِ بسببها كما تدعو تلك الأديانُ السماويَّةُ.
ومعَ ازديادِ حِدّةِ تسييسِ قضيَّةِ المثليةِ الجنسيَّةِ، خُصوصًا عامَ 2015 حينَ قضت المحكمةُ الأميركيَّةُ العُليا بالسَّماحِ بِزواجِ المثليِّينَ في عمومِ الوِلاياتِ المتَّحدةِ بعدَ أَن كانَ الأمرُ مُقتصرًا علَى 36 ولايةٍ أميركيَّةٍ فقط من أَصلِ 50 وِلايةٍ، انضمّت الوِلاياتُ المتّحدةُ بهذا الحكمِ إِلى قائمةِ الدولِ الَّتي تسمحُ بالزَّواجِ المثليِّ، كالدِّنماركْ وهولندا وبلجيكَا وجنوبِ أَفريقيا والبرازيلِ وغيرِهم. فما هيَ حقيقةُ الإدّعاءاتِ العلميَّةِ حول الشذوذِ الجنسيِّ؟! وهل المثليَّةُ الجنسيَّةُ سلوكٌ طبيعيٌّ ناشئٌ عن موروثٍ جينيٍّ تَطوّرَ عبرَ آلافِ السَّنواتِ، أَم هيَ سلوكٌ مُكتسبٌ وخللٌ نفسيٌّ مُرتبطٌ بعدّةِ عواملَ اجتماعيَّةٍ وبيئيةٍ؟!
يقومُ الخطابُ الداعمُ للمثليَّةِ الجنسيَّةِ بنشرِ فِكرةٍ “طبيعيَّةٍ” الشذوذُ الجنسيُّ مُعتمدٌ على ثلاثةِ مَحاوِرَ: الأولُ هو مقارنةُ السلوكِ البشرِيِّ بِالسُّلوكِ الحيوانيِّ إِذ أَنَّ كثيرًا من الحيواناتِ قد تمت مُلاحظةُ مُمارستهَا لسلوكٍ جنسيٍّ مثليٍّ. والمحورُ الثاني هوَ الزعمُ بوجودِ كودٍ جينيٍّ معينٍ مسؤولٍ عن الشذوذِ الجنسيِّ والسُّلوكِ الجنسيّ بشكلٍ عام في الحمضِ النَّوويِّ البشريِّ. أَما المحورُ الثَّالثُ فيتمحورُ حولَ أَنَّ المُتغيراتِ البيئيَّةَ والعواملَ الإجتماعيَّةَ لا عَلَاقَةَ لَهَا بِتَحْدِيدِ التَّوَجّهِ والهويّةِ الجنسيَّةِ.
والظَّاهرُ أَنَّ هذهِ المحاوِرَ تُواجِهُ شكًا كبيرًا فِي مصداقيّتِها، وَهوَ ما يؤكِّدهُ الكاتبانِ العلمِيّانِ الأَخوانِ “نَيلُ وايتهيد” و”بريارْ وايتهيد” في كتَابِهُمَا (جِيناتي جَعلتني أَفعلُهَا!) اللَّذانِ يقولان فِي مُقدّمتهِ: “إِن الغربَ كانَ موضوعًا لحملةٍ من التضليلِ والخداعِ فِي السنواتِ العشرينَ أَو الثَّلاثينَ الأخيرةِ، جعلت مؤسَّساتهُ العامَّةَ من المشرعينَ إِلى القُضاةِ ومن الكنائسِ إلى التخصصاتِ الذهنيَّةِ الصِّحيّةِ يُؤمنونَ بشكلٍ واسعٍ أَنَّ المثليةَ الْجِنْسِيَّةَ مَوْرُوثَةٌ عُضْوِيًا وبالتالي لا يمكنُ تغييرهَا” . وهوَ الرأي الَّذي يتفقُ فيهِ المحلّلُ الإِعلامي “مارك دايس” معهمَا قائلًا بِأنَّ “الإِعلامَ الليبراليَّ أَجرَى عمليَّةَ غسيلِ مُخٍّ من خلالِ بروباغاندا المثليينَ الجنسيينَ حتى يُقنعَ الأمريكان بارتفاعِ نسبِ الشذوذِ الجنسيِّ”.
وبعيدًا عن الدِّراساتِ التي يتمُّ التَّرويجُ لَها إِعلَاميًّا، أَجرى فريقٌ مِن الباحثينَ بجامعَةِ “نُورث وِيستيرن” الأَميرِكيَّةِ دراسةً علميَّةً عَامَ 2014 شَملَت فَحصَ الحمضِ النووِيِّ لِ400 ذِكرٍ مِن المثليِّينَ الجنسيِّينَ. لَم يَتمكن الباحثونَ من العثُورِ على جينٍ واحدٍ مسؤُولٍ عن توجُّههم الجنسيِّ، وقالوا بِأَنَّ “الجيناتِ كَانت إِمّا غيرَ كافيةٍ، وإما غيرَ ضروريَّةٍ لجعلِ أيٍّ من الرِّجالِ شاذًّا جنسيًا”. وعلّقَ أُستاذُ عِلمِ الجيناتِ الأَميركيُّ “آلان ساندَرزْ” على هذهِ الدِّراسةِ قَائلًا: “الجيناتُ ليست هِي القصَّةُ الكاملةُ، إِنَّها لَيست كذلكَ”
إِذًا فإِنَّ الشُّذوذَ الجنسيَّ هو سلوكٌ و ليسَ مُتوارثٌ أو موجودٌ في الجيناتِ، لِذلك يجبُ التَّوعيةُ تجاهَ هذا الموضوعِ لِتخفيفِ إنتشارِهِ و الوصولِ إِلى إزالتهِ تماماً.