تعدّ مرحلة الطّفولة الرّكیزة الأساسیّة لحیاة الفرد المستقبلیّة،حيث تتحدّد ملامح شخصّیته من خلال ما یكسبه من مهاراتٍ وخبراتٍ وقیمٍ، وتعتبر من أهم المراحل حيث يقوم الطّفل بنشاطات موجهة لتنمیة سلوكه وقدراته العقلیّة ، تلك النّشاطات يعتبرها الطفل مصدراً للّهو واللّعب والتّسلية.
ومع التطوّر التّكنولوجيّ الكبير، وتقدّم المجتمعات وانفتاحها على بعضها البعض، وفي ظلّ العولمة وصولاً إلى قيام المجتمعات الرّقميّة، تغيّرت الأنماط الاجتماعيّة للأسر، وتغيّر شكل الأسرة من أسرة ممتدّة تقليديّة إلى أسرة نواة، وتبدّلت قواعد اللّهو للأطفال في داخلها، حيث تحوّلت الألعاب الالكترونيّة إلى ظاهرة عالميّة لا تعبأ بالحدود الجغرافيّة والثّقافيّة، وغزت مجتمعاتنا ، وأصبحت داخل بيوتنا وصَعُب مقاومتها. فما مدى تأثّر الأسر بالتطوّر الحاصل وتداعياته؟
كان "اللّعب" عند الأطفال من أهم الحاجيات التي تشبع رغباتهم، وتبدّل هذا المفهوم نتیجة للتغییّرات المتسارعة التي شهدها العالم، ففي حین كان الأطفال يلهون بتعالي صیحاتهم وضحكاتهم الجماعیّة في منطقة مكشوفة كالبیت أو الشّارع، أصبحوا مأسورين داخل بيوتهم مع ولادة أجیال من الألعاب الالكترونیّة ، حيث تطوّرت أساليب اللّعب والترفية ، فظهرت الأجهزة والألعاب الالكترونية التي وجدت لها سوقاً رائجاً، ووجدت إقبالاً كبيرأ عليها من قبل الأطفال والشّباب، وأضحت تأخذ حيّزاً كبيرًا من أوقاتهم فأثّرت في سلوكهم وأخلاقهم، وتدرّجت أشكالاً مختلفة، وتطوّرت بشكلٍ كبيرٍ وواضحٍ، وفرضت على اللّاعبين تقمّص الشّخصيّة المفروضة داخل اللّعبة، والانغماس في واقع معّين من الحرب الفكريّة أو العسكريّة أو الثّقافيّة أو الايديولوجيّة،وتكمن الخطورة في إمكانيّة تقريب اللّاعب من الخيال والواقع إلى درجة أنّه يحاول تطبيق مضامين هذه الألعاب في حياته اليوميّة، ممّا يعني تنميط السّلوك على النحو الذي يرغب فيه صانعو هذه الألعاب، وأظهرت العديد من الدراسات والأبحاث، أنّ ممارسة الألعاب الالكترونيّة، كانت السّبب في بعض المآسي حيث ارتبطت نتائج هذه الألعاب خلال الخمسة والثّلاثين عاماً الأخيرة بازدياد السّلوك العنيف.
إضافة إلى ظهور العديد من المشاكل الصّحيّة كالإصابات المتعلّقة بالجهاز العظمي والعضلي ، والجلوس لساعات عديدة أمام الحاسب أو التّلفاز، يسبّب آلاماً مبرحة في أسفل الظهر، كما أنّ كثرة حركة الأصابع على لوحة المفاتيح تسبّب أضرارًا بالغةً ، وتؤثّر سلبًا على نظر الأطفال، إذ قد يصاب الطّفل بضعف النّظر نتيجة تعرّضه لمجالات الأشعة الكهرومغناطيسيّة، المنبعثة من الشّاشات التي يجلس أمامها ساعات طويلة أثناء ممارسته اللّعب، كما أنّ حركة العينين تكون سريعة جدًّا أثناء ممارسة الألعاب الالكترونيّة مما يزيد من فرص إجهادها، وكلّها أعراض تعطي الإحساس بالصّداع والشّعور بالاجهاد البدني وأحيانًا بالقلق والاكتئاب.
لذا، ينبغي على الأهل تنظيم الوقت المخصّص لترفيه الطّفل ومراقبته وتوجيهه بين ممارسة الألعاب "الالكترونيّة الافتراضيّة" وممارسة الرياضة الحقيقيّة، مثل السّباحة ولعب الكرة بأنواعها والرّحلات، وغيرها من الأنشطة التي تعود بالفائدة على الطّفل من النّاحية الجسميّة والنّفسيّة والعقليّة، وأن يختاروا الألعاب الالكترونيّة المناسبة لأعمار أولادهم، على أن تكون خالية من أيّ محتوى يخلّ بصحتهم الجسميّة والعاطفيّة والنّفسيّة. وأن لا يسمحوا له بممارستها في فترات تناول وجبات الطّعام اليوميّة .كما يجب على المؤسّسات التّربويّة إنتاج برمجيّات حاسوبيّة تعليميّة وتثقيفيّة، تعود بالنّفع عليه، و تشتمل على عناصر الجذب والإثارة والتّشويق المتضمنة في الألعاب الالكترونية شائعة الانتشار. فمتى يدرك الأهل خطورة هذا الواقع المرير ؟ وكيف يجنّبون أطفالهم أدرانه؟