إنّ مجتمعنا العربيّ يعاني من تحدّيّات ثقافيّة واجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة، أفرزتها التّغيّرات الاقتصاديّة والثّقافيّة الّتي لحقت بكيان ووظائف المؤسّسات الاجتماعيّة العاملة في ضبط المجال الاجتماعيّ؛ كالأسرة والمدرسة والمجتمع المحلّيّ. والتّطوّر التّكنولوجيّ أفرز تحوّلاتٍ عدّة، مسّت جميع بنيان المجتمع، وانعكست أثاره على وظائف ومهام الأسرة ، ما أدّى إلى تقليص دورها وتحلّل العلاقات الّتي تربط بين أفرادها، فانعكس ذلك على تربية الطّفل ومستقبله، وظهر ما يسمّى تقنيّة المعلومات والإنفجار التّقنيّ، الّذي ساعد على انحراف الأحداث وتراجعه التّربويّ . فما دور الأجهزة الذّكيّة في إبعاد التّفكّك الأسريّ؟ وما أبرز أخطار التّفكّك الأسريّ على الفرد والمجتمع؟
هو واقع مرير كنّا وما زلنا نعيشه كلّ يوم ونشعر به، وتتكاثر في عقولنا الكيفيّة الحتميّة في معالجة أموره ومعرفة أسبابه الّتي قد تساعدنا في فهم معاني الطّرق الصّحيحة؛ لإخراج عالم ووطن بأقل الخسائر، وبناء جيلٍ واعدٍ نرتقي به إلى الأعلى.
عوامل عدّة أدّت إلى التّفكّك خصوصاً مع مواكبة الأزمات، وغيّرت مفهوم الأُسرة على وجه الصّحيح، أهمّها قلّة الثّقافه الّتي يتمتع بها الأبوان، فيما يخُصّ كيفيّة إقامة أُسرة ناجحة في بنائها وتقويمها والقيام على أمورها، وتحدّي التّقاليد والأعراف والآداب الاجتماعيّة، وانشغال الأب عن أُسرته، إمّا بالعمل و عدم التّفرّغ، أو يُبدي بشكلٍ غير مباشر رغبته في انتشال نفسه من مسؤوليّته، وقد يكون متواجداً في نفس الحيّز الذي تشغله أُسرته، لكنّه ينحني لينشغل راغبًا في عقد الصّفقات وشاشات الانترنت، ناسيًا أو متناسيًا واجبه كـربّ أُسرة حيال أُسرته. إنّي لا أُلقي اللّوم الكامل على الأب، فنرى الأمّ أيضًا تنهمك في الحياة دون أدنى إحساس بالمسؤوليّة …فكيف نعالج هذه الظّاهره التي باتت تُهدّد المجتمع واستقراره ؟؟
إنّ تقويم الأفراد، ابتداءً من الوالدين وانتهاءً بالأبناء، وذلك من خلال غرس المعنى الحقيقيّ للأُسره في نفوس النّشئ، يُحتّم على كلا الوالدين أن يقوما بخطواتٍ ملموسةٍ؛ لإنجاح أُسرتهم وتفادي الخلل الذي
حلّ، لأنّ الفرد يبحث دائمًا عن الاستقرار، والحياة الكريمة . بما أنّ التفكّك الأُسري مشكلة ناتِجة عن الطّلاق، فالطّلاق هو أسُّ المشكلة؛ لذا مِن الضّروريّ البحثُ عن أسباب وقوعه؛ لضمانِ نجاح مشروع الزّواج، وإنْ كانت أسبابه كثيرةً ومتداخلة، إلّا أنَّ أمْر تهيئة الشّخص المقبِل على الزّواج مِن الجنسين أمرٌ في غاية الأهميّة.
فعلينا أن نهتمَّ بهؤلاء الأطفال، الّذين لا ذنبَ لهم في أخطائنا ومشكلاتنا، حتى نُشْركهم معنا فيها، بل علينا أن نرعاهم رعايةً كريمة مع وجود الوالدين، أو مع انفصالهما حتّى يكبروا دون مشكلاتٍ نفسيّة تؤثِّر عليهم في مستقبل أيَّامهم، وحتّى يضمن الزّوجُ أو الزّوجة راحةَ الضّمير، والشّعور بنوعٍ مِن السّعادة. لأنّ محيط المنزل الآمن، والبيئة الصّحيّة النّفسيّة، تعزّز قدرة الطّالب على فهم الدّروس والتّركيز، بدلّا من شحن طاقته بالعنف الأسريّ اللّامحمود. وعليه إنّ البيئة المدرسيّة الصّحيحة لا تكفي وحدها إذا قابلتها بيئة أسريّة مدمّرة، وحياة الطّالب في تكاملٍ تام بين البيت والمدرسة. فالطّالب الّذي يعاني من مشاكل أسريّة، مثل تفكّك أو انفصال أو مشاحنات يوميّة، يعاني من حالات الشّرود الذّهنيّ، والرّغبة في عدم الانتباه لشرح المعلّم، وعدم الشّعور بالأمان، وفقدان الثّقة، وتراجع المستوى الدّراسيّ، كما يعاني من عزلة في الصّفّ والمدرسة، ويفضّل الانزواء لوحده، ويرفض مساعدة المعلّم أو المشرف له، ولكن لو تذكّر الرّجل والمرأة قول الرّسول علية الصّلاة و السّلام ( كلّكم راعٍ و كلّكم مسؤول عن رعيّتة…)، لشعروا بالمسؤوليّة تجاه أسرهم، ولما حدث تفكّك، ولما غابت القدوة واضطّربت العلاقة بينهما، ولأثبتْن كلّ منهما ذاته.
فلماذا نساعد على تحويل بيوتنا إلى مجموعة بيوت تحت سقفٍ واحدٍ؟ ولما لا نتكاتف لإنقاذ طالب، وبناء جيلٍ ووطن؟