غريقُ اللَّيل، بقلم أحمد قانصو
بعدَ ضجيجٍ طالَ إثنا عَشرَ ساعةً و بعدَما أوقَفَت عصافيرُ السَّماءِ عَزفَ ألحانِها و سافَرتِ الشَّمسُ إلى بلادٍ أخرى و وصلَ القمرُ مِن بِلادِ الاغتِرابِ إلى سماءِنا، سكَتَ العالمُ بأسرِه و اعتَلت اصواتُ الأنينِ و الآهاتِ في قلوبِنا و بينَ جُدرانِ منازِلنا دونَ صديقٍ أو قَريب ، جلستُ وحدي انا و روحِي و جسَدي و جُدرانُ غُرفَتي باختصارٍ بقيتُ ساكِناً مع نفسي و ذاتي و أنا.
لَملَمتِ الجُدرانُ فِي غُرفتي كُلَّ الذِّكرياتِ، الحُلوةُ مِنها و المُرّة ، خَطَفَني الوقتُ الى آلامِ الحياةِ و عندَها عُدتُ أتذكَّرُ خيانَةَ الحبيبِ و خُذلانَ الصَديقِ و قلَّة أصلِ القريبِ و في عينيَّ دمعٌ لو انفجرَ لملأ الدُّنيا ببحرٍ مِن الدُّموعِ لا تكفِيهِ مناديلُ الدُّنيا لمسحِهِ عِن خديّ الّذي ارتَوى مِن آثارِ الأسَى و الكَذِب.
فكّرتُ كَيفَ لِي أنَ اختفِي دونَ احزانِ المُحبِّينَ ، و هَل غِيابي سيُفرِحُ المَغضوبِ عليهِم من الله، لمساهمتِهِم في قتلِ مشاعرٍ تَفيضُ بالأملِ و الحُبِّ و السَّعادَة؟
كانَ الحَبيبُ مصدَرَ السَّعادةِ و بعدَ الخِيانة، اصبحَ سبَبَ النّفورِ مِنَ الحبّ ، امّا عِن خِذلانِ الصَّديقِ الّذي أفقدّني ثِقتي بالجَميعِ ، أو قِلَّةَ اصلِ القريبِ الّذي أدخلنِي في أعماقِ الكُسور .
زادت وطأةُ المَشاكِل عليَّ و لَم يعُد قَلبي قادِراً على تحمُّلِ الخيباتِ المُتكرِّرةِ، فأغرقَتنِي في اعماقِها و رُحتُ اتخبَّطُ شِمالاً و يَميناً حتّى تَعِبَتْ انفاسِي و نهَضْتُ مِن جَدِيد بقوَّةٍ ناريَّةٍ تحرِقُ كُلَّ مَن يُحاوِل المَسَّ بِي .
جَميعُهُم مَشغولٌ عَنّي فكلٌّ مِنهُم سَكَن في ساحتِهِ المُلائِمةِ لَه و بينَ مَصلِحِهِ الخَبيثَة ،ارتَويتُ مِن بعدِ كُلِّ هذا مِن إكسيرِ الأمَلِ السِّحرِيِّ الّذي أعادَني إلى الحَياة، شخصاً آخر مِن بَعدِ غرَقي فِي اوهامٍ كاذِبة.
تغلَّبتُ عليهِم و كُنتُ أسدًا قوياً، شجاعاً يقولُ “لا” بثقةٍ عِندَ الاقتِرابِ مِني لاهدافٍ ستؤذِينِي أو تُضِرُّني .
انتهى المَنامُ و استيقَظتُ فِي اليَومِ و الثَّاني و كأنّ شيئاً لَم يكُن .
