عبّاس روماني
هم طائفةٌ توقّفَ عندها الزّمن. كثيراً ما نسمع أنّ هناك شخصاً متخلّفاً عن التّطوّر لأنّه لا يملكُ هاتفاً، أو لا يجيدُ استخدامَ الحاسوب أو لأنّه يعيشُ (متخلّفاً) عنّا بضعة عقود.
ولكن ماذا لو قلنا أنّه في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، أناسٌ متخلّفون عنّا ٣٠٠ سنة.
إنّها طائفة الأميش، يعيشون بكامل إرادتهم، كما عاش أجدادُهم الأوائل الّذين قدموا إلى أمريكا في القرن السّابع عشر، منذ العام ١٦٦٠ توقّفت عجلةُ الزّمن عندهم، حافظوا على البساطة، لم يتغيّر أيّ شيء في نمط حياتهم، ولا يستخدمون أيًّ من وسائل الرٍفاهيّة، يكفي أن تزورَ إحدى مستوطنات هذه الطائفة في أميركا الشّماليّة لتشعر وكأنّ الزّمنَ قد عادَ بك قروناً إلى الماضي، إذ لم يتغيّر لِبسُهم ولا أكلهم ولا طريقة عيشهم ولا عاداتهم، ينبذون التّكنولوجيا والكهرباء، وكلّ ماله علاقة بالعالم المعاصر، يفضّلون الإنعزالَ عن الحاضر.
هذه الطّائفة الّتي يبلغ عددها حوالى ٣٠٠ألف شخص، لا زالت محافظة على تقاليدها، وطريقة عيشها رغم كلّ المغريات، ورغم تواجدهم في أكبر عواصم التّقدّم التكنولوجيّ والعلميّ (أميركا).
يتنقّلون على العربات الّتي تجرّها الخيول ويتحدّثون بلهجة ألمانيّة أخذوها عن أجدادهم الّذين عاشوا في ألمانيا وسويسرا.
وقد أطلقت عليهم تسمية”الأميش” نسبة إلى زعيمهم ومؤسّس الطّائفة”آمان جاكوب”. تعرّضت هذه الطّائفة للاضطهاد الشّديد في أوروبا، وقد لجأ الكثير منهم إلى ولاية بنسلفانيا.
هذه الطّائفة هي من إحدى عشرات الجماعات المسيحيّة الّتي ظهرت في أوروبا خلال القرون الوسطى مع انتشار حركة الإصلاح الدّنيي، والإلتزام بتعاليم الإنجيل.
تمتثل هذه الطّائفة لقانون غير مكتوب متوارث شفويّاً يدعى”الأوردنانغ” وهو يحدّد بشكل صارم كيفيّة حياة الأفراد حتّى في أدقّ التّفاصيل مثل:الملبس، طول الشّعر، حرث الأرض، حتّى أنهم لا يعرفون البيع والشّراء بين بعضهم، فإن أراد أحدهم شيئاً، يكفي أن يذهب إلى المخزن ويأخذ مقدار حاجته، فهم لا يعترفون بملكية فرديّة.
أمّا بخصوص الدّراسة، فهم لا يعترفون بالتّعليم الحكوميّ، وعوضاً عن ذلك، يدرّسون أبناءهم في شبه مدارس مؤلّفة من غرفة أو اثنتين حيث يتعلّمون على أيدي مدرّسي أميش طبعاً، وعندما يبلغ أحدهم عمر ١٨ يذهب لمدّة ثلاث سنوات لاستكشاف العالم الخارجيّ، وعيه يقرّر من خلال هذه المدّة الّتي يقضيها، إمّا ان يعود لمجتمعه(الحياة البدائيّة) أو يذهب ليعيش حياة عصريّة خارج بيئته، والمدهش أنّ شبّان من بين كلّ أربعة أو خمسة يفضّلان العودة إلى مجتمعهما.
يعرف عنهم أنّهُم جماعة مسالمة، لا وجود للعنف والجرائم، حتّى أنّهم معفون من خدمة الجيش، لا يشاركون في حروب.
إنّ كلّ ما ورد ذكره، ليس سوى القليل، عن هذه الطّائفة الّتي تميّزت بغرابتها كونها حافظت على طبيعتها الأولى وإنسانيّتها، فتجدهم يداً واحدة وقلبا واحدا، لا يفرّقهم شيء.