لبنان يدخل النفق المظلم من بوابة الأمن الغذائي-مقال بقلم الزميلة ندى شريف
بعد أن كان منبعاً للثّقافة والفكر ومصدّراً لأرقى الخدمات وأكثرها جودةً، أصبح أبناؤه اليوم يخوضون معركة الأمعاء الخاوية، ساحتُها السوبرماركت، والغنيمة هي سباق مستميت للتّسلّّح بسلع غذائيّة مدعومة لا تُسمن ولا تُغني من جوع.
مشهدٌ اعتياديٌّ يعكس وضعاً معيشيّاً مُزرِياً في بلد يتهافت مواطنوه ويتناحرون للحصول على أبسط حاجاتهم، الّتي تُسحبُ من السّوق بقدرة قادر، وتفقد بسبب تعذّر استيرادها لإخفاء العملة الصّعبة في جيب “شبح” وتظهر من جديد من خلف أسوار السّوق السّوداء وبأسعار مجنونة.
ترى المواطنَ رازحاً تحت خطّ الفقر، تشهد على ذلك الأسواق الخالية والموائدُ الّتي تصرخ خالية من أبسط أصنافها،أصبحت باهتة بلا ألوان، ألوان الموائد أصبحت بأسعار صارخة.
وصلنا إلى الخطورة بمكان جعلنا محطّ اهتمام تقارير دوليّة تتابع بؤسنا اليوميّ، وقد برز تقرير مهمّ للجنة الأمم المتّحدة الاقتصاديّة والاجتماعيّة لغرب آسيا “الاسكوا” يقول بأنّه”قد يتعذّر على نصف سكّان لبنان الوصول إلى احتياجاتهم الغذائيّة الاساسيّة…” وهذا التّحذير طبعاً لا آذان صاغية له، فمصير المواطن معلّق بقشة السّياسيّين الّتي قسمت ظهر الوطن، فلا قطاعات منتجة، قد أهملت منذ عقود ولغاية في نفس يعقوب وتعاقبت حقبات سيّاسيّة جعلتها من سيّء إلى أسوأ فتآكلت حتّى الإفلاس، حتّى المواطن فقد حماسه ومرونته وحبّه للعمل، وأصبحنا بلداً استهلاكيّاً بامتياز، بعد أن كنّا مصدّرين لأجود المنتجات وأفخرها، لذا يجب إعادة النّظر في تفعيل القطاعين الزّراعيّ والصّناعيّ وقطاع التّحارة وتأمين الدّعم والتّسهيلات الّلازمة لجعل العجلة تدور من جديد، لا استقرار بلا اقتصاد ثابت يضمن سلامة المواطن وتأمين اكتفائه الذّاتيّ وصموده في وجه الأزمات كالّتي نحن بصددها اليوم.
يكفي ذلّاً لشعب بقي صامداً صمود الأرز رغم أقسى الظّروف والحروب الّتي توالت عليه، شعب أكثر ما يوصف به الكرم والضّيافة، عيب أن يكون أحد أهم العقول البشريّة منشغلاً فقط في الجري خلف لقمة عيشه.
لقد أُدخِل أمنُه الغذائيّ غرفة العناية الفائقة واستنزفت رئتاه جرّاء الفساد المستشريّ، فهل ما زالت الفرصة سانحة لإيجاد علاج فعّال”صنع في لبنان” أم استنفذ الوقت ولم يعد أمامنا سوى الاستعانة بفتات من هنا وهناك.